بازدید امروز : 0
بازدید دیروز : 0
فقد جرت ریاح "ثورة 25 ینایر" بما لاتشتهی سفن الخلیجیین العرب، حتى أن مسؤولاً مثل قائد شرطة دبی "الفریق ضاحی خلفان" قام، وفی موقف یفتقد ادنى اصول اللیاقة واللباقة، بصب "جام غضبه" على تیار الاخوان المسلمین، (معلنا) ان الرئیس المصری الجدید محمد مرسی، لن یکون موضع ترحیب، ولن یفرش له السجاد الاحمر (واصفا) انتخابه بانه "نذیر شؤم على مصر والمنطقة".
واضح ان اللجوء الى استخدام هکذا خطاب الى رئیس جمهوریة اکبر دولة عربیة ومنتخب وفقاً للقواعد الدیمقراطیة، ینم على شعور "الانظمة البترولیة" بخیبة امل عارمة، باعتبار أن خیار الشعب المصری سیکون له اصداء هائلة على مستوى تغییر الاوضاع الفاسدة فی المنطقة بعد اکثر من 40 عاماً من الارتهان والتبعیة للاستراتیجیة الصهیوامیرکیة التی سادت فی اعقاب التوقیع على معاهدة کامب دیفید الخیانیة بین انورالسادات ومناحیم بیغن تحت رعایة الرئیس الامیرکی الاسبق جیمی کارتر عام 1978.
وربما لن یستغرب ابناء ثورة 25 ینایر المجیدة مستقبلاً مواقف استفزازیة مماثلة لما قال به "ضاحی خلفان"، لانهم یعرفون بدقة حجم المساعدات المالیة والسیاسیة والدعائیة التی بذلها زعماء البترول والاعلام فی السعودیة والامارت وقطر، لدعم المجلس العسکری بزعامة المشیر حسین طنطاوی، ولتمویل حملة مرشح "الفلول المهزوم احمد شفیق"، والتی ذهبت کلها ادراج الریاح، بعدما انتصرت الارادة الحرة للشعب الذی حسم خیاره لصالح المرشح الاسلامی الدکتور محمد مرسی. فالرجل اصبح الان رئیساً لمصر مدعوما بشرعیة الثورة ، شاء من شاء وابى من ابى.
اننا لو اعتبرنا تصنیفات "الافعال الکلامیة" (تصریحات رئیس شرطة دبی نموذجا)، نوعاً من المفاهیم السیاسیة،لأصبح من الطبیعی ان نتوقع تباینها مع مفاهیم الصحوة الاسلامیة والثورات الشعبیة وفی طلیعتها ثورة 25 ینایر، باعتبار ان القراءة الاستراتیجیة للتطورات فی المنطقة العربیة والاسلامیة تنبىء من الآن عن أن الانظمة "الملکیة "و"الامیریة" فی الخلیج الفارسی، مقبلة لامحالة على عواصف وأعاصیر تغییریة، لن تبقی الاوضاع وفقا لما تهوى أهواء أباطرة "البترو دولار"، خاصة وان هؤلاء حولوا اراضیهم ومیاههم الى قواعد ومراکز قیادة للجیوش الغربیة الاطلسیة، وغرف للعملیات التجسسیة والاستخباریة التی تستهدف تعزیز الامن الصهیونی من جهة، وضرب الصحوة الاسلامیة المتصاعدة من جهة اخرى.
على صعید متصل یبدو الأمر اکبر من صدمة ان یدلی الرئیس المصری المنتخب الدکتور محمد مرسی بعد ادائه الیمین الدستوریة یوم السبت 30/6/2012، بتصریحات باتت غریبة على مسامع عملاء امیرکا واسرائیل فی "المحمیات الخلیجیة" وهم الذین اعتادوا ان تکون "القاهرة" – قبل الثورة – "مرجعیة" للتطبیع مع الکیان الصهیونی و "ملهمة" لنهج التساوم والخضوع للاملاءات الاستکباریة.
فقد قال الرئیس محمد مرسی فی الخطاب الذی ألقاه فی جامعة القاهرة "ان مصر التی عانت من انکسارات، لن تعود الى الوراء"، مؤکدا ایضا على "ان المؤسسات المنتخبة ستعود لاداء دورها"، فی اشارة واضحة الى مجلس الشعب الذی حله المجلس العسکری بتحریضه "المحکمة الدستوریة" على إصدار حکم مقصود وغیرمقنع ، الامر الذی اثار غضب المصریین ، معتبرین ذلک اجراء کیدیا ارید من ورائه الاطاحة بالبرلمان الجدید ذی الاغلبیة الاسلامیة.
فی هذا المضمار،لا یختلف اثنان على ان ما تحقق فی مصر ، یمثل ، استعادة هذا البلد الکریم وشعبه المجاهد، لدوره الریادی بعد اکثر من (4) عقود من الانهزام والمهانة والخنوع، جراء اذعان مسؤولی نظام التسویة والصلح المخزی مع الصهاینة، لاستحقاقات معاهدة کامب دیفید الخیانیة، وتبعیة القاهرة ردحا من الزمن لاملاءات الاستراتیجیة الامیرکیة ــ الاوروبیة ــ الاسرائیلیة، وتجاوبها مع مواقف وسیاسات (آل سعود) المتغطرسین الذین تصوروا خطأ بأن الشعب المصری، شعب مستعبد ومغلوب على امره، بفعل الامدادات المالیة الاقتصادیة التی تأتی الى "العسکر" من الغرب او الشرق، لقاء التمسک بالاتفاقیات المشینة.
بید ان الوقفة الثوریة الرائعة لهذا الشعب الذی اطاح بالفرعون، واوصل نوابه الى البرلمان، والذی ابى الا ان یدخل مرشحه الاسلامی محمد مرسی الى مقر رئاسة الجمهوریة، خلافا لرغبة قوى الردة وزعماء الاستکبار العالمی ومرتزقة "انظمة البترودولار"،انعشت الآمال فی نفوس ابناء الامة، باقتراب زمن اندحار ائمة الظلم والعدوان الدولیین والاقلیمین، واقتلاع الغدة السرطانیة "اسرائیل" من قلب العالم الا سلامی وربما فی القریب العاجل.
وفی اطار هذا الوضع الجدید، فان التطورات القادمة فی الساحة السیاسیة المصریة، تبدو محفوفة بالمفاجآت والاحتمالات، نظرا الى اصرار قادة الثورة وابناء الشعب، على مطلب تجرید المجلس العسکری من صلاحیاته التی صارت سیفا مصلتا على مسیرة التحولات المتسارعة فی الشارع.
ویستند هذا المطلب الى مرجعیة اهداف ثورة 25 ینایر، الداعیة الى تطهیر مؤسسات الدولة المصریة من جمیع بقایا النظام البائد والى امتلاک مفاتیح القوة والامن والمال العام، وهی امور مازال یستحوذ علیها المجلس العسکری، وهو یبدی مماطلة واضحة فی التنازل عنها لصالح المؤسسات التی خرجت من رحم الثورة وتضحیاتها وفی مقدمتها مجلس الشعب.
ولاشک ابدا فی ان الشعب المصری المجاهد الذی استعاد ارادته الحرة فی ثورة 25 ینایر وامتداداتها قد استوعب تجارب الماضی وتداعیات الحاضر، کما اننا نعی تماماً ان هذا الشعب الحضاری منذ الماضی السحیق، بات یعرف ما یجری خلف الکوالیس، لتفریغ ثورته العظیمة من مکتسباتها، ولعله قرأ – مثلنا – ایضا مقالة ثعلب السیاسة الامیرکیة، الدبلوماسی العجوز هنری کیسنجر، مؤخرا فی صحیفة "واشنطن بوست" تحت عنوان (مبدأ جدید للتدخل)، والذی جاء فیها:
"انه لایولی اهمیة کبیرة لایدیولوجیة نظام الحکم، او لنوعیة النخبة الحاکمة وهویتها الطبقیة، بل المهم لدیه فقط سیاسات هذا النظام او هذه النخبة او الدولة تجاه امیرکا" . ویعرب کیسنجر فی جانب آخر من المقال عن خشیته من قیام صناع القرار والاعلامیین الغربیین، بانفاق وقت وجهد کبیرین للتدخل فی شؤون دول الثورات العربیة لاسباب "انسانیة" تجاوبا مع الحملة التی تدعو الى "التکفیر عن ذنوبهم" وتعویض مافات موضحا : "یجب ان لا تتورط الولایات المتحدة فی سیاسات خارجیة هی فی غنى عنها، وقد لا تفید المصالح القومیة الامیرکیة، وفی مقدمتها امن اسرائیل."
تشومسکی: أمریکا ترید رئیساَ مثل مبارک
وتاکیدا لموقف هنری کیسنجر الانتهازی قال المفکر الامیرکی المعادی للصهیونیة نعوم تشوموسکی "أن الغرب والولایات المتحدة لا یریدون حاکما منتخبا من الشعب فی مصر حتى لو کلفها هذا الکثیر، فهی ترید رئیسا مثل مبارک یقمع الشعب ویخدم واشنطن، فأمریکا اما ترید حاکما فاسدا مستبدا ، او فوضى عارمة ."
واضاف تشوموسکی فی مؤتمر على قناة (اون تی فی) یوم 27/6/2012 ، "أن الغرب لا یرید دیمقراطیة فی مصر، ولذا فقد أیدوا مبارک حتى آخر لحظة، ولکن وعندما تحول الجیش ضد مبارک، کانوا سعداء بإیجاد طریقة للإبقاء على النظام بدون مبارک، هذه هی القاعدة فی العمل. إنهم یریدون علاقة خضوع وتبعیة، کما هو الحال فی کل مکان فی العالم، أعنی بذلک علاقات الدول العظمى - أیا کانت- فهی ترید علاقة خضوع لإرادتها ولمصالحها، ولیس ذلک سرا، هذا ما تسیر علیه العلاقات الدولیة."
وأوضح تشوموسکی "أن امیرکا هی من طلبت من المجلس العسکری تسلم السلطة وأحتواء الثورة وأجهاضها حتى لا تکون مثل الثورة الاسلامیة الایرانیة ویحدث تغییر شامل ثم تکریه الناس فی الثورة حتى لا یکرروها لو عاد النظام بشکل جدید ثم الاتیان بحاکم جدید یکون عسکریا ودیکتاتورا مثل مبارک لتستمر مسیرة التبعیة لامیرکا وأسرائیل وتظل مصر جزء من الحظیرة الامیرکیة"
وبالرغم من کل هذه التصورات، الا ان ثمة اتفاقا بین الاسلامیین والوطنیین، على المضی قدما فی المسیرة التغییریة بشکل یؤول الى توطید قواعد الثورة، الامر الذی یجعل التفاهم والانسجام بین الثوریین ــ على اختلاف مشاربهم السیاسیة ــ من اوجب الواجبات، ابتغاء حشد الجمیع طاقاتهم وقواهم الجماهیریة لضمان ان یکون موقع الرئاسة والسلطة التنفیذیة محصنا بقوة الشعب ، من اجل مجابهة الضغوط الداخلیة والخارجیة لقوى الثورة المضادة.و ذلک مع الانتباه الى تذمر " الملکیات البترولیة" من خیار الشارع المصری الذی انحاز للحرکة الاسلامیة ذات التاریخ النضالی العریق فی مقارعة الدکتاتوریة و الاستبداد.
فاللافت ان هذا التذمر غیر المبرر، یعکس الخوف الذی یخیم على الواقع الرسمی الخلیجی من المستقبل خشیة اجتیاح مسیرة التغییر " الملکیات و الامیریات البترولیة" و ما قد یسفرعنه من تهاوی عروش الانظمة القبلیة البعیدة تماما عن المبادئ الدیمقراطیة و حقوق الانسان و الحریات السیاسیة و المدنیة. و مع ان " ضاحی خلفان " یمثل نموذجا مصغرا لرجال الحکم ، الا انه یعبرعن کنه الشعوربالانهیارالذی بات یضطرم فی صدور اولیاء نعمه فی بعض دول مجلس التعاون ، ممن احتضنوا الحکام والمسؤولین المنبوذین على اراضیهم امثال رئیس تونس زین العابدین بن علی ، المطلوب للعدالة ، و کذلک اللواء عمر سلیمان آخر نائب رئیس جمهوریة و الفریق احمد شفیق آخررئیس وزراء فی عهد فرعون مصر المخلوع حسنی مبارک، هم وعوائلهم،وسط تحلیلات المراقبین الذین یعتبرون هذا التحرک استفزازا صارخا لمشاعر ابناء ثورة 25 ینایر.
فی هذا الصدد قال الدکتور محمد عز العرب، الخبیر المتخصص فى الشأن الخلیجى بمرکز «الأهرام» للدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، إن الخلیج (الفارسی) أصبح منفى لرموز الأنظمة السابقة، حیث سافر رشید محمد رشید للإمارات ثم قطر، ، فى حین یقیم الآن احمد شفیق و عمرسلیمان فی الإمارات.
وأوضح الباحث أن سبب اختیار الفریق واللواء للإمارات یتعلق بشعورهما بالأمن هناک وصعوبة تسلیمهما فى حالة صدور أى أحکام ضدهما، وأکد عز العرب أن الفریق شفیق ربما له علاقات جیدة مع بعض رموز الحکم ورجال الأعمال هناک فضلاً عن استبعاد إمکانیة تسلیمه لمصر لو صدر حکم قضائى ضده.
وأوضح الباحث أن الإمارات لدیها مشکلات مع الإخوان المسلمین نتیجة عدة أسباب تتعلق بتأثیر مسار الثورة المصریة على الجوار الإقلیمى، وعلاقة الإخوان بجمعیة الإصلاح المعارضة للحکومة الإماراتیة، وتصریحات الرئیس المنتخب محمد مرسى حول التقارب مع إیران وتدعم الثوار فى البحرین والمنطقة الشرقیة من السعودیة. وأکد عز العرب أن هناک العدید من الملفات العالقة فى العلاقات بین مصر ودول الخلیج مع وصول الرئیس الجدید، وهذه الدول هى: السعودیة والکویت والإمارات والبحرین، واستبعد الباحث سلطنة عمان نظراً لنهجها الحیادى.
من جانبه، قال محمد عبدالمنعم الصاوى النائب السابق بمجلس الشعب: «إن من یرید أن یسافر أو یهاجر هو حر» بل یجب عدم السماح بالسفر لمن أفسد الحیاة السیاسیة أوارتکب جرائم فى حق الشعب.
باختصار یمکن القول ان (التحول المصری) جاء استجابة لارادة شعب الثورة وثورة الشعب، وان أی تغییرات قادمة على مستوى تقریر المصیر وصیاغة الاولویات، ینبغی ان تحظى باحترام الدول والانظمة الاخرى، لاسیما وان المصریین عاقدو العزم على تطهیر مؤسسات الدولة من رواسب سیاسات الاذعان السابقة، وعلى اعادة الدور الریادی للقاهرة فی تبنی قضایا الحریة والعدالة ومکافحة الظلم والاضطهاد الصهیونیین فی فلسطین المحتلة بخاصة و فی الشرق الاوسط بعامة.
حمید حلمی زادة
2012/7/4
اشتراک